متاح الآن

الحث الطائفي/ العرقي في سوريا: المسارات المتقاطعة

 





د.أ حمد الصاوي*

*المفكر القومي، والقيادي المؤسس بالمؤتمر الناصري العام

 

تشهد سوريا "حثا" طائفيا وعرقيا من عدة أطراف ورغم ما بين تلك الأطراف من تناقضات ظاهرة وتقاطع حتمي للمسارات فإن عمليات الحث تلك حتى وإن لم لتصل لمنتهاهها ستحقق هدفا واحدا ألا وهو استحالة العيش في كيان سياسي واحد تحت سلطة واحدة مركزية كانت أو فيدرالية.

فهناك حثا سنيا على خلفية التناقض مع نظام الأسد "الأب والابن " بأبعاده العلوية/الشيعية وهذا الحث مصدره الذي لا ينضب خطة برنارد لويس لإعادة إنتاج النظام الملي العثماني في نسخة حداثية تقسم الدول الإقليمية التي نشأت  فيما بين الحربين العالميتين إلى كيانات أصغر حجما.

استحالة العيش المشترك على برك الدماء التي سالت على إيقاع الصراع الطائفي المتوهم هو عماد خطة برنارد لويس ومن ثم فإن تغذية الحساسية الطائفية تعد شرطا لازما للمضي قدما في ذاك الدرب ويتولى ذلك بالعمد حينا وبالتطوع أحيانا أخرى كافة أطراف المعادلة الطائفية في الثنائية المتخيلة(السنة والشيعة).

يمكن أن نرصد تداعيات هذا الحث فيما يجري من مطاردات شبيهة بمفردات خطة استئصال البعث الشهيرة في العراق حيث تم حل وتجريم ليس فقط حزب البعث السوري بل كافة الأحزاب السياسية التي تقترب منه في مجالها الحيوي وتجري فعليا عمليات تصفية جسدية على خلفية طائفية مترافقة مع السؤال المريب عن الأقرباء"الهالكين" من جيش نظام الأسد أبا وابنا.

لا يمكن إغفال مغزى زيارة الشرع (الجولاني) سابقا للرياض والحفاوة التي استقبل بها عن مسار الحث الطائفي لاسيما من زاوية تعديل وجهة دمشق من طهران إلى الرياض وهذا أمر ستترى تداعياته تلقائيا في أمد متوسط.

ورغم أن تركيا هي جزء أصيل من خطط الحث الطائفي لاسيما من جهة قيادتها للقوة المسلحة التي أسلمت لها مظلة حكم سوريا إلا أنها تمارس حثا نوعيا له طابع عرقي/ قومي لتجنب نشأة كيان كردي مستقل ضمن ما سينشأ من كيانات على ركام الدولة السورية.

يتعارض هذا الحث العرقي مع مسار ونتاج الحث الطائفي (السني/الشيعي) أولا من زاوية أن الأكراد هم سنة أيضا ولديهم حساسية ضد العروبة ومن ثم تلجأ أنقرة إلى تطعيم هذا الحث بنزعة تركية قومية تنفذها على الأرض في شمال غرب سوريا تحديدا فيما أن نسميه "الضم الهادئ" لأراض سورية بتعميم اللغة التركية في مؤسسات التعليم والتأهيل ولا جدال في أن مفردات مثل بعث دولة الخلافة(العثمانية) واخوة دولة الإسلام تلعب أدوارا حيوية في هذا السياق ويمكن بالطبع رصد نتاج ذلك في الدور الذي تلعبه عناصر الحديقة الخلفية التركية من الشيشان والتركمان والايغور في القوة المسلحة لنظام الشرع.

بل إلى أبعد من ذلك تحاول تركيا توظيف الممارسات العنيفة ضد العلويين في الساحل السوري لفرض ضم تلك الأراضي لتلحق بما تم ضمه من الاسكندرون وما يعرف باقليم الهاتاي لأراضي الجمهورية التركية حيث يتواجد داخل تلك الأراضي قرابة ١٢ مليونا من العلويين العرب الحاملين للجنسية التركية.

تحاول أنقرة ألا يؤدي هذا الحث العرقي إلى إيقاظ أية نزعة عروبية وتتفق معها تل أبيب في هذا السياق لعلة واضحة حدها الأدنى توفير الهدوء اللازم لضم الدروز وأراضيهم للكيان وأقصاها عدم السماح بنشأة أي نوع من الايديولجيا القومية من شأنه لم شعث الدولة السورية على خلفية سورية وطنية أو عروبية.

علينا أن نراقب توازيا مع هذا الحث ليس فقط ردة فعل الأطراف الشيعية خارج الوطن العربي وداخله ولكن أيضا الدعاوى المتعاظمة لإنشاء حلف سني يرتكز على السعودية والأردن ومصر دون أن نغفل عن حقيقة هامة وهي أن تنفيذ خطط التهجير القسري للفلسطينيين وتمكين الكيان من قيادة الشرق الأوسط ذات علاقة وثيقة بمفردات واليات إنشاء هذا الحلف الذي تدعو له دول الناتو كوريث عصري لحلف بغداد.


ليست هناك تعليقات

نرحب دائما بتعليقاتكم